يطمح الرجل، بحكم تكوينه، إلى أن يرتبط بفتاةٍ. ويسعى، إذا ما لفتت انتباهه فتاة معينة، بجمالها أو بثقافتها أو... أو...، إلى أن يتقرّب منها، محاولاً إنشاء ارتباطٍ. قد تكون صيغة هذا الارتباط صداقةً، علاقةً، خطبةً، زواجاً.. ليست تلك هي المشكلة، وإنما المشكلة، هي أن الفتاة، وبغض النظر عن صيغة الارتباط، تأخذ في الابتعاد.. تبدأ بإظهار نفورها، وعدم رغبتها في الارتباط. والرجل غير المجرّب، سوف يظن أنها ترفضه. والتمييز ما بين الرفض الحقيقي، والرفض المناور، يصعب على الكثير من الرجال.
فماذا يفعل الرجل عندما يُواجَه بالرفض بدل القبول؟ وبالنفور بدل الإقبال؟ بعض الرجال يأخذ الأمر بحساسيةٍ شديدةٍ، وينسحب، ظاناً أنها لا تريده، وأنّ عليه أن يبحث عن فتاةٍ أخرى، يلقى لديها القبول.
أمّا النمط الشائع من الرجال، فيبدون الاستجابة التي تطمع إليها المرأة، وهو أنه يصبح يعتقد أنها صعبةٌ، وبالتالي تزداد رغبته فيها، ويبدأ بالتنازل والتماس رضاها. وهذا هو الوضع الذي تسعى إليه المرأة لتؤسّس عليه الارتباط، وتفرض الصيغة والشروط التي تريدها.
ربما يظنّ الرجل، أن المرأة قد تبدي التمنّع، إزاء العلاقة غير الزوجية، أما في الزواج فسوف يكون من الطبيعي أن تظهر رغبتها، غير أن مثل هذا الظن سطحيٌ، ولا يستند لا إلى التجربة الشخصية، ولا إلى المرجعية الدينية، أو التاريخية.
إن المرأة تتمنّع، حتى في الزواج، وأيضاً بعد الزواج، بحيث يحق لنا أن نقول "لم يعرف النساء، من لم يجرّب تمنّعهن"، فالمرأة عن طريق رفضها تحاول أن تستخرج من الرجل طلبه لها.. تحاول أن تفرض عليه وضعاً معيّناً، لا أن تتخلّص منه، ولنا خير مرجع في قوله سبحانه وتعالى، في سورة النساء بسم الله الرحمن الرحيمﭐﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱠ [النساء: ٣٤]
ويعرف الإمام الرازي في كتابه "التفسير الكبير" النشوز، بأنه معصية الزوج والترفع عليه بالخلاف، وأصله من قولهم نشز الشيء إذا ارتفع، ومنه يقال للأرض المرتفعة: نشز ونشر. ويضيف بأنه روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "كنا معاشر قريش تملك رجالنا نساءنا، فقدمنا المدينة، فوجدنا نساؤهم تملك رجالهم، فاختلطت نساؤنا بنسائهم، فذئرن على أزواجهن، أي نشزن واجترأن، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت له: ذئرت النساء على أزواجهن، فأذن في ضربهن، فطاف بحجر نساء النبي صلى الله عليه وسلم جمع النسوان كلهن يشكون أزواجهن، فقال صلى الله عليه وسلم "لقد أطاف الليلة بآل محمد سبعون امرأةً، كلهن يشكون أزواجهن، ولا تجدون أولئك خياركم"، ومعناه أن الذين ضربوا أزواجهم، ليسوا خيراً ممن لم يضربوا. ويضيف الإمام الرازي أن البعض قال: أن حكم هذه الآية مشروعٌ على الترتيب، فإن ظاهر اللفظ، وإن دل على الجمع، إلا أن فحوى الآية يدل على الترتيب، بمعنى أولوية الوعظ، ثم الهجران، ثم الضرب. إن جوهر المشكلة هي قوامة الرجل، وطمع المرأة في أن تسحب من الرجل قوامته، لتمارس هي قوامتها عليه، وفي هذا لا بد من ذكر قوله الله سبحانه وتعالى بسم الله الرحمن الرحيم ﭐﱡﭐ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗﲘ ﱠ صدق الله العظيم[النساء: ٣٢]
أما المرأة فتجعل الشرط الذي تباشر على ضوئه العلاقة، وتؤسّس عليه الارتباط، هو قوامتها هي.
والرجل كثيراً ما يجد، أن عليه التنازل، حتى ينال رضاها، فيتنازل ظاناً أنها إنما هي حالة، أو لحظة عابرة ليجد فيما بعد أنها طبيعة العلاقة، وهو إمّا أن يرضخ ساعتها، أو يتمرد. كذلك قد تكون الأزمة كاملةً من صنع المرأة، حيث تظهر في البداية رضاها بقوامة الرجل، لتعلن حينما تجد أنها قد مكنت لنفسها، التمرد. وهذا هو مصدر الكثير من المشاكل العاطفية، أو الزوجية، ولا حل له إلاّ بالاتفاق منذ البداية حول طبيعة العلاقة، وبتحكيم الشارع عز وجل بها، وحكمه معروف، ألا وهو "قوامة الرجل، وقبول المرأة ورضاها بها".
ومن يتأثر بوجهة النظر المادية، يرى في سيطرة الرجل على وسائل المال والحياة الاجتماعية، التفسير الوحيد لقوامته. لكن فلنسأل أنفسنا "لماذا سيطر الرجل على هذه المسائل؟ لماذا لم تسيطر عليها المرأة؟"، ويشير القرآن الكريم، إلى ما ينفق به بعضهم على بعض، إلا أن يذكر هذا بعد قوله: بسم الله الرحمن الرحيم ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱠ [النساء: ٣٤]
المرأة ليست صنفاً آخر من الرجال.. صنفاً ينجب الأطفال ويطهو الطعام، المرأة كيانٌ عاطفيٌ، بحكم تكوينه، ولا يمكن أن يرضى إلا إذا عومل من خلال هذا المفهوم. وقوامة الرجل، ما هي إلا قوامة العقل على العاطفة. النساء لسن مجردات من العقل، لكن تستحوذ عليهن العاطفة.
وسلطة المال قد تبدو طبيعية بين الرجال، إلا أنها بينهم وبين النساء، سرعان ما تتبدّد، لتحل سطوة الجنس محلها. ولا شك في أن أكبر امبراطوريات المال، تقدم كل سطوتها، قرباناً لرضى زوجات، أو صديقات، أصحاب تلك الإمبراطوريات.
ومن كان يبدي بين الرجال قوةً وسطوةً، قد لا يستطيع التصرّف في ساعة من وقته الخاص، بما لا تأذن به صاحبته.
ولا تتمنّع المرأة إلا لتحكم سطوتها تلك، ويستحيل دور الرجل إلى صائدٍ للمال، يصارع الرجال في سبيل الحصول عليه، وتقديمه إليها، وتصبح هي صانعة القرار، ومحددة المصير.
وتجربتي الشخصية تمدّني بنماذج لا حصر لها من البيوت، التي حين كنت أذهب لاستئجارها، لم أكن أجد لدى رجل البيت إمكانية التفاوض بشأنها، بل كان يطلب مني أن أتفاهم مع زوجته. بالإضافة إلى رجال، كانوا يستميتون في سبيل تثبيت وضع لهم بين الرجال، لكن في بيوتهم، لا يملكون حق التصرف ببعض الدراهم، أو حق توجيه أطفالهم.
إن هذا الشرط الذي تضعه المرأة لإنشاء الارتباط، من خلال صدّها وتمنّعها، ألا وهو إحكام سلطتها، أخذ يصبح أداة في يد الطامعين بها للتحايل عليها، فهي لا تطلب من الرجل سوى إعلان خضوعه. فلماذا لا يعلن ذلك الطامع خضوعه، ليأخذ ما يريد ويتركها بعد ذلك. فما تظنه أداة في يدها، يمكن أن يكون أداة ضدها. وأصبح من يريد إخضاع رجلٍ، يفكر في أن يرسل له امرأةٌ تخضعه.
إن على المرأة أن تعلم، أن ما تظنه سور حمايةٍ لها، من السهل أن يستحيل إلى نقطة اختراقٍ لأمنها. ذلك أنه ليس ثمة من مأمنٍ سوى الصراحة، والتفاهم، والاتفاق، والرضى بحكم الخالق، وبما ميّز به كل جنسٍ، من شخصيةٍ، وموقعٍ، ودورٍ.