الهوية الجنسية

    ((الله، والدين، والمفاهيم بشكلٍ عامٍ، ما هي إلا قضايا تخضع لنسبية الاعتقاد، بمعنى أن كل فرد يفهمها كما يشاء، وليس ثمة أي شيء يقيده، لا شيء يحدّه، لا شيء يلزمه. ما كان في السابق قوانين مقدسة حرّمت كل شيء، من البحث العلمي، إلى مجرّد التفكير، لا مكان له الآن. العصر عصر تحرّر الإنسان من كلّ قيدٍ على فكره، أو اتخاذ قراره الفرديّ، الذي يتماشي مع طلباته الفرديّة، والتي تعتبر متعلقة به وحده، ولا شأن للمجتمع، أو الدين، بها)).

    هكذا يفكر المجتمع الغربي، ويشكّل معياره البشري. ومن أبرز هذه الحريات، الحرية الجنسية. لقد أصبح المرجع الوحيد، في تقييم السلوك، وخاصة السلوك الجنسي، هو الفرد نفسه. بمعنى أن لا حكم، إلا الرضى الفردي.

    من الصحيح أن القوانين العامّة لعصور الظلام، أدّت إلى ردّ الفعل الفردي-النسبي، إلا أن من الصحيح أيضاً، أن ذلك الخطأ قد عولج بهذا الخطأ.. ذلك الضلال البعيد، قد عولج بهذا الضلال البعيد.

    فمن اليقين أنّ هناك طبائع عامّةً، بل حتى يمكننا أن نطلق عليها وصف القوانين الشاملة التي تنظّم سلوك البشر، والكائنات الحيّة الأخرى من تلك الأساسيات، أنّ البشر، ومعظم الكائنات الحيّة تنقسم إلى ذكر وأنثى، يرتبطان بعلاقة زوجيّة، بلتحم فيها الجنس بالتناسل، وينتهي إلى عادة إنتاج الحياة.

    هذا، إلا أنّ المفهوم الغربي المعتمد والذي يشكّل معيار تلك المجتمعات السلوكيّ وحتى التشريعيّ، يمكن تلخيصه في القاعدة التالية: (إنّ الدور الجنسي مسألة تنفصل تماماً عن الدور التناسلي، وكذلك فإن الدور الجنسي مفهوم يقرّره كلّ فردٍ كما يشاء). بمعنى أن ليس هناك طبيعيةٌ عامةٌ ومعيار موحدٌ سوى أن كل فرد يقرر دوره الجنسي، وبشكل ينفصل كل الانفصال عن الهدف التناسلي للوظيفة الجنسية.

    لقد أصبح من حق الفرد أن يطالب، بل وأن يشرّع، حقه في الارتباط الجنسي المثلي. بمعنى أنّ الرجل، أصبح من حقه الارتباط الزوجي برجلٍ آخر، والمرأة بامرأةٍ أخرى، وأن يعتبر هذا الارتباط أسرةً طبيعيةً. وأن تعتبر هذه العلاقة شرعيةً وقانونيةً، بمعنى أن تدخل منهاج التعليم الجنسي في المدارس، وأن تكيف وفقها قوانين الإرث، بمعنى أن يرث الرجل زوجه، والمرأة زوجتها. وأن يحق للأسرة المثلية (رجلان معاً، أو امرأتان معاً) أن تتبنّى الأطفال للتعويض عن عجزها التناسلي.

    لقد بلغ مفهوم الحرية حدّ حرية الشذوذ، وبلغ حدّ الشذوذ التشريع، فماذا بعد ذلك؟ لقد ظهر ما هو أبعد من ذلك؟ إن النتيجة الطبيعية لما سبق، هو أن يحق للرجل أو المرأة التساؤل: (ما هو الدور الذكري؟ وما هو الأنثوي؟ من قسّمنا إلى ذكور وإناث؟ ومن حدّد لنا مسبقاً الشخصية الجنسية التي علينا اتخاذها؟ يحق لرجل أن يمارس دوراً أنثوياً ما دام يرتاح إلى ذلك؟ ويحق للمرأة أن تمارس دوراً ذكرياً ما دامت ترتاح إلى ذلك).

    إن آخر ما يطرح وبقوةٍ في الغرب، هو أن ثمة فارقاً أساسياً بين التكوين والهوية، حيث يكون التكوين مفروضاً على المرء، في حين تكون الهوية اختيارية، بمعنى أن من تمام التحرر، أن يستطيع المرء أن يغير التكوين، ليتلائم مع الهوية التي يختارها لنفسه.

    وهذا يعني أن من حق الرجل أن يسلك سلوكاً أنثوياً، وأن من حق المرأة أن تسلك سلوكاً ذكرياً، وحق الهوية لا يقف عند حد السلوك، بل يتعداه إلى تغيير التكوين. وهذا يعني أن من حق الرجل أن يصبح امرأة،  وأن من حق المرأة أن تصبح رجلاً.

    لا ينتهي الأمر عند حرية اختيار الدور الجنسي، وتشريعها، بل يتعداه إلى التكوين العضوي.. إن الشخص الذي يمارس دوراً جنسياً، يتعارض مع تكوينه، سوف يشعر بالتناقض. إنه رجل، ويسلك سلوكاً أنثوياً، أو أنها امرأة وتسلك سلوكاً ذكرياً. إن الجسد تحديد، وأصبح الشخص المثلي يعتبر نفسه أسيراً في جسده، إنه رجل من حيث الجسد لا الروح أو النفسية أو الشخصية، وإنه يحتاج إلى أن يغير جسده بما يتلائم مع شخصيته الجنسية التي يعتبرها حقيقية، بحيث يصبح امرأة، فكراً، وسلوكاً، وجسداً. وكذلك المرأة، تعتبر أن من حقها أن يقبل المجتمع باختيارها لدور الرجل الجنسي، بحيث يعاملها كرجلٍ فكراً، وسلوكاً، وجسداً. وظهر مفهوم "التحول الجنسي TRANSEX".

    آخر مفهوم للهوية الجنسية هو تغيير الجسد، بما يتلائم مع الذهن. وما هو أبعد ، مع الأسف، أن بعض الأطباء أقرّوا ذلك الحق، وإن اشترطوا إصرار المتحول عليه، فذلك ليضمنوا عدم تراجعه فيما بعد، ومقاضاته لهم، على نزوةٍ منه استغلوها. أصبح الجراحون يجرون عمليّات للتحوّل الجنسي، وكأن من يزيل أعضاءه التناسلية الخاصة لجنسه، ويستبدلها بأعضاء صناعية تشابه ما يخصّ الجنس الآخر، يكون قد غيّر جسده، بما يتلائم مع طموحه الجنسي، فأيّ نساءٍ صنع أولئك الرجال من أنفسهم؟ وأي رجالٍ صنعت تلك النسوة من أنفسهن.

    وأخذت هذه الظاهرة تغزو المجتمعات الإسلامية، والعربية، وأخذ يظهر هناك متحوّلون، من بين صفوف المسلمين والعرب. وأخذت تظهر المقابلات الصحفية معهم، والتغطيات الصحفية عنهم. المسألة أبعد بكثيرٍ من الهجوم على التقليد، أو الوعظ المتعارف عليه، أو بث الشجون،.. إلى آخر ذلك من القول الذي اعتاد أن يخرج به المتزمتون.

    إنّ المسألة هي تبيان أفقٍ: ما يجري (هنا وهناك)، وما هي دائرة الصراع الجديدة (الجنسية الغيريّة ضد المثليّة)، ودعوةٌ لكل مؤمنٍ بالله، أو بالنظام الطبيعي، إلى أخذ موقعه في هذا الصراع، قبل أن نشهد تطوّر الشذوذ إلى سلطة، أو بكلماتٍ أخرى "دولة الجنسية المثلية".


     عودة للفهرس                                                                                                                                                                    قراءة الكتاب كاملاً

    تابعوني على الفيسبوك