- الكتاب: "صدام الحضارات.. إعادة صنع النظام " العالمي.
- المؤلف: سامويل هنتنفتون.
- المترجم: طلعت الشايب.
- الناشر: سطور-القاهرة.
- التاريخ: ط 2، 1999.
في 1996، صدر كتاب سامويل هنتفتون "صدام الحضارات"، وآثار ضجةً عالميةً لم تتوقف حتى الآن. وفيما يلي الرد على ما ورد فيه من طروحات.
في البداية لابد من التأكيد على أن تبدّل هوية الدولة، من قومية العرق أو اللغة أو الحدود الجغرافية، إلى قومية الثقافة أو المبدأ أو الحضارة، وهو مفهوم سبق وأن اعتمدته بشكلٍ أو بآخر بعض الأنظمة الحضارية، يشكّل ارتقاءً بالدولة، وتأطيراً لدخول القرن الجديد، ولنكن متيقنين من أن الدولة القومية الليبرالية لن تشكل نهاية التاريخ، كما يطرح "فوكوياما".
كذلك لابد من تسليط الضوء، على الجزء الخامس من كتاب "صدام الحضارات"، والذي ينص على "إن بقاء الغرب يتوقف على الأمريكيين بتأكيدهم على الهوية الغربية، وعلى الغربيين عندما يقبلون حضارتهم كحضارةٍ فريدةٍ وليست عامةً، ويتحدون من أجل تجديدها، والحفاظ عليها، ضد التحديات القادمة عن المجتمعات غير الغربية. أن تجنب حرب حضارات كونية، يتوقف على قبول قادة العالم بالشخصية متعددة الحضارات للسياسة الدولية، وتعاونهم للحفاظ عليها" (ص 38).
إن مثل هذا التعميم جد خطيرٍ، لأنه يطرح كمسلماتٍ فرضياتٍ خاطئةً. أولاً: إن الهوية الأمريكية أو الغربية، أخذت تصبح موضع تساؤلٍ، سواء من قبل أصحاب وجهات النظر الانفصالية، أو أصحاب الهويات الثقافية-الحضارية، وكذلك الغرب كله. ثانياً: ليس هناك حضارةٌ عامةٌ، وكل حضارة هي في ذاتها فريدة. ثالثاً: التحدي الأكبر لن يكون من المجتمعات، غير الغربية، أو بالتسمية الصريحة "الشرقية"، بل هو بذور ظلامٍ تتنامى داخل كل حضارةٍ. رابعاً: ليس هناك شخصية متعددة الحضارات للسياسة الدولية، فالسياسة الدولية تقوم على مفهومٌ الدولة القومية-الليبرالية، وهو مفهوم لن يستمر، وفوق ذلك فهو لا يسمح بالتعددية الحضارية، إذا ما اعتبرنا أن الحضارة، لا تتلخص في زيٍ قوميٍ خاصٍ لكل أمة. إنها ساعة ترتقي فيها البشرية، وهناك من يخشى النقلة، لأنه لا يعرف، ولا يضمن نتائجها.
لكن الانتقالات التاريخية الحضارية تتم، حتى لو بقي الكثيرون يعجزون عن ضمان، أو حتى معرفة ما سوف تسفر عنه. دائماً هناك قوىً إيجابيةٌ، تقابلها قوىً سلبيةٌ، وأصحاب المصالح يبحثون عن ما يضمن استمرار مصالحهم، وهو بحث لا علاقة له بحركة التاريخ الحقيقية، والتي تتلخص في الصراع بين الإيجاب والسلب.
ومن الضروري أن ندرك أن مناخاً فكرياً معيناً، لا يعني بالضرورة نظاماً حضارياً سياسياً محارباً، إذ طالما شهدت البشرية هذه المناخات، دون أن يكون هناك تأطيرٌ سياسيٌ حقيقيٌ لها. وإن تعدد المناخات، لا يفترض الصدام، ذلك أن بمقدور قوىً كبرى، أن تتعايش تحت سقف كوكبٍ واحدٍ، أو أن نتقاسم مناطق النفوذ.
إن المسألة هي تعدد المحاور، وبالتالي تعدد نقاط الاستقطاب، داخل كل منظومةٍ حضاريةٍ. ويمكننا بناءً على ذلك، أن نكون متيقنين، من أن عمليات الاستقطاب سوف تشتد وتقوى، وتتزايد حدّة الصراع، داخل المنظومة الواحدة، وبالتالي لابد من نشوء أشكال للتحاور، والتلاقي، والتحالف، بين المحاور متماثلة الانتماء، في المنظومات الحضارية المختلفة.
إنّ الصراع الأساسي، ليس بين بنىً فكريةٍ قديمةٍ عادت إلى الحياة، أو إلى أخذ دورها في الصدارة، بل إلى الصراع الأساسي الواحد، بين قوى الحياة، وقوى الموت، داخل البنية الحضارية الواحدة.
ولابد من أن يتقوى الاستقطاب الداخلي، ضمن كل منظومة على حدة، ولابد من أن يفضى إلى التحالف، كصيغة توحد من خلالها قوى الحياة صفوفها، ضد قوى الموت المضادة.
إنّ مثل هذا الاستقطاب، ومن ثم التحالف، لممارسة الكفاح ضد العدو الواحد المشترك، والذي يقوم باستقطابه الخاص، ضمن المنظومات المختلفة، هو مسارٌ حتميٌ للقوى الحضارية، ويمكننا بكل ثقة أن تدعوه قدر البشرية.
وإذا ما تيقنا من حتمية التحالف، فسوف نختصر عقوداً من الجدل العقيم، والصراع الثانوي، الذين يشدان قوى الحياة، بعيداً عن معركتهم المصيرية الواحدة. فليستعد رجال ونساء موسى، وعيسى، ومحمد، ولابد من الإشارة هنا، إلى أصحاب المعتقدات الأخرى سواء الروحية منها، أم المادية، أم الفكرية.
لقد أصبح الموت طريق خلاصٍ، اختار البعض أن ينتهجه، للتحرر من روابط الحياة. وأخذ العالم يشهد عروض الموت الجماعية، مرةً في أوروبا، وأخرى في أمريكا، وثالثة في إفريقيا.. هذه السمة لم تعد سمةٌ عابرةٌ، كما كان الأمر في القرن المنصرم، بل سوف تشكل المحور المركزي لهجوم قوى الظلام تلك؟ لم يعد الموت رمزاً معنوياً للشر، بل أصبح معتقداً خلاصياً يعتنقه الكثيرون. وأصبح الشيطان يُعبَد سراً جهراً، وأصبح له مواقع على "الإنترنت".
وإذا ما كان فهم الدين، بعد هذه القرون العديدة عصياً على الاستيعاب، أقول بكل يقين: الدين ليس دين نبيٍ، ضد دين نبيٍ آخر. الرب واحد، والدين واحد، والرسل متعددون.
إنّ الحقيقة واحدةٌ، وعليه يجب أن يكون التحرك واحداً، وهذا لن يتأتى إلا إذا اقترن الوجود الموضوعي للحقيقة، بالوعي الذاتي الجمعي لها. وهذا لن يتم إلا إذا افتحنا باب الحوار إنه قدرنا فلنترك الصراعات الجانبية، ولنشرّع أبواب القلوب.. ولننبذ المجاملات التقليدية، ولنحل مغاليق العقول.